ٍالدعوة إلى الرفق ونبذ العنف وخاصة ضد النساء -1- للدكتور كنون الحسني

ٍ

الدعوة إلى الرفق

ونبذ العنف وخاصة ضد النساء

  • -1 –

من الخصال الأخلاقية التي يجب أن تحكم سلوكنا عندما  نتعامل مع الآخرين: اللين، والمرونة، والرفق بالآخرين ومداراته، وهي كلها صفات تحمل معنى واحداً، ومدلولاً واحداً، ومغزى واحداً، ومعناها: أن يكون الشخص عندما يتعامل مع الآخرين هَادِئاً ، لَطِيف الْمُعَاشَرَةِ، نَاعِماً، لَيِّنَ الطَّبْعِ، سهل التعامل ، سَلِس الخُلُق، وليس فظاً أو غليظاً أو قاسياً أو شديداً أو صعباً أو حاداً.أن يكون ليّنَ الجانب بالقول، والفعل، وأن يداري الناس، ويأخذ الأمور بلطف ويسر بعيداً عن التعقيد والشدة حتى وإن عاملوه بها، فيقابل العنف بالرفق والشدة بالليونة.

ومعنى أن يكون الإنسان رفيقاً ولّين الجانب بالقول: أن يكون هادئاً في كلامه، اذا تحدث مع الناس يتحدث بهدوء وبلطف وصوت منخفض عادي، وليس بصراخ أو بعجرفة أو تكبر واستعلاء، أو بطريقة يهين فيها الشخص الآخر ويجرح فيها مشاعره وأحاسيسه وكرامته خصوصا أمام الآخرين وبحضورهم، على الإنسان أن ينتقي كلماته ولا يقول جزافاً أو فحشاً أو كلاماً بذيئاً أو مُهيناً، لأن البعض قد يسترسل بالكلام فيتحدث بكل ما يخطر في باله وبكل ما يمر على لسانه حتى ولو كان بذيئاً أو غير مناسب، خصوصا اذا غضب وانفعل وثارت أعصابه أو ضاق صدره.حتى عندما يريد أن يواجه خصومه وعدوه ، عليه أن يكون ليناً عندما يكلمهم أو يدعوهم الى شيء، كما قال الله تعالى عندما أرسل موسى وهارون الى فرعون الطاغية والمستكبر والمستعلي والجبار الذي كان يقول: أنا ربكم الأعلى فقد قال الله تعالى لهما: ﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ، فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى).

ولين الجانب بالفعل: يعني عندما يتعامل الشخص مع الناس يتعامل معهم ويتصرف بهدوء ولطف، وليس بشدة وعنف، يكون سلساً مع الناس، سهل التعامل، ويبتعد عن التهديد والتعنيف والتخويف والترهيب والضرب وإيذاء الناس أو رفع السلاح أو اطلاق النار،  حتى لو أخطأ أحدهم أمامه، أو أساء اليه أحد، أو استفزه أحد، يكون سمحاً وليس عنيفاً يبادر فوراً الى فعل فيه شدة وغلظة.

لأن البعض قد يكون عنيفاً فيعتدي ويضرب ويكسَر، وقد يسحب السلاح في وجه الآخرين ويطلق النار، ويتحول إلى شخص شرير في بيته ومع جيرانه وفي الشارع، يرعب الناس ويخيفهم، وهذا لا يجوز، فان من أقبح وأبشع الأعمال التي يرتكبها الانسان هو أن يتحول بأعماله وتصرفاته وسلوكه الى إنسان شرير تخافه الناس وتهابه لشره وقساوته وعدوانيته.

الإنسان العاقل فضلا عن المؤمن الملتزم يجب أن يكون لينا في القول والفعل والسلوك والممارسة العملية.، وقد روي عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  أنه قَالَ: حُرِّمَ عَلَى النَّارِ كُلُّ هَيِّنٍ لَيِّنٍ سَهْلٍ قَرِيبٍ مِنَ النَّاسِ

إن خُلُقَ الرِّفْقِ مِنْ أَعْظَمِ الأَخْلاقِ وَأَسْمَاهَا، وَأَجَلِّ الصِّـفَاتِ وَأَعْلاهَا؛ لأَنَّهُ دَلِيلُ وَفْرَةِ الْعَقْلِ، وَهُدُوءِ النَّفْسِ، وَتَوَافُرِ الْحِكْمَةِ، بِهِ تُدْرَكُ عَظَائِمُ الأُمُورِ، وَعَنْ طَرِيقِهِ تُفْتَحُ مُغْلَقَاتُ الأَبْوَابِ.

إِنَّ خُلُقَ الرِّفْقِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَاضِرَا بَيْنَنَا فِي جَمِيعِ أَحْوَالِنَا، فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، فِي عُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَكَذَلِكَ فِي جَمِيعِ جَوَانِبِ حَيَاتِنَا وَتَعَامُلاتِنَا. فَفِي تَعَامُلِنَا مَعَ أَهْـلِنَا يَنْبَغِي أَنْ تُرَفْرِفَ الْمَوَدَّةُ وَالرَّحْمَةُ عَلَى رُؤُوسِنَا، فَخَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْـلِهِ، وَفِي تَعَامُلِنَا مَعَ أَطْفَالِنَا يَنْبَغِي أَنْ يَشِعَّ الرِّفْقُ وَاللُّطْفُ بِنُورِهِمَا فِيمَا بَيْنَنَا، وَعَنْدَمَا نَتَعَامَلُ مَعَ والِدَيْنَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّلَطُّفُ وَالرِّفْقُ حَاضِرَيْنِ فِي أَعْظَمِ تَجَلِّيَاتِهِمَا:( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا، إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فَلَا تَقُلْلَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا )،

وحين نتعامل مع نسائنا يجب أن يكون اللطف واللين حاضرا معنا، مصاحبا لكلامنا وسائر تصوفاتنا، فمن الناس من يعتقد أن العنف والتشدد هما أصل الاحترام والتقدير وهما منبعا التفريق والتشتيت،

أَمَّا فِي تَعَامُلِنَا مَعَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ فِي بُيُوتِنَا لَيْلَ نَهَارَ، فَإِنَّهُ لا بُدَّ لَنَا مِنْ أَنْ نَكُونَ حَذِرِينَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنَ التَّعَامُلِ مَعَهُمْ بِفَظاظةٍ وَعُنْفٍ، وَذَلِكَ لأَنَّ طُولَ الْعِشْرةِ وَكَثْرَةَ التَّعَامُلِ مَعَهُمْ، وَتَعَدُّدَ مَا يُزَاوِلُونَهُ مِنْ أَعْمَالٍ، مَظِنَّةٌ لِوُقُوعِ التَّقْصِيرِ وَالخَطَأِ مِنْهُمْ، فَهُنَا عَلَيْنا أَنْ نَحْرِصَ عَلَى الْعَفْوِ وَالْمُسَامَحَةِ وَالتَّلَطُّفِ وَالرِّفْقِ؛ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ مَا فِيهِ مِنَ الأَجْرِ وَالثَّوَابِ، وَفِيهِ اقْـتِدَاءٌ بِرَسُولِ اللهِ  rفِي تَعَامُلِهِ مَعَ مَنْ يَخْدِمُهُ؛ فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: (خَدَمْتُ رَسُولَ اللهِ r عَشْرَ سِنِينَ، وَاللهِ مَا قَالَ لِي: أُفًّ قَطُّ، وَلا قَالَ لِي لِشَيْءٍ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا؟ وَهَلاَّ فَعَلْتَ كَذَا؟)، وَلَمْ يَحُثَّ الإِسْلامُ عَلَى الرِّفْقِ بِالْبَشَرِ فَحَسْبُ، بَلْ حَثَّ كَذَلِكَ عَلَى الرِّفْقِ بِالْحَيَوَانِ الأَعْجَمِ، فَنَهَى أَنْ يُتَّخَذَ هَدَفًا يُرْمَى، فَقَدْ مَرَّ r عَلَى أُنَاسٍ وَهُمْ يَرْمُونَ كَبْـشًا بِالنَّبْـلِ، فَكَرِهِ ذَلِكَ وَقَالَ: ((لا تُمَثِّـلُوا بِالبَهَائِمِ)).

حتى في تعاملنا مع غير المسلمين نتعامل برفق ولين لنعطيهم صورة عن أخلاق الإسلام ، وأخلاق المسلمين.

إنَّ الرِّفْقَ وَاللِّينَ مِنَ المَطَالِبِ الحَيَاتِيَّةِ وَالاجْتِمَاعِيَّةِ التِي لاَ تَسْتَقِيمُ الحَيَاةُ السَّوِيَّةُ إِلاَّ بِهَا، يَتَأَلَّفُ بِهِ المَرْءُ القُلُوبَ، وَتَنْقَادُ لَهُ النُّفُوسُ، وَيَمْلكُ المودَّةَ والمَحَبَّةَ وَالإِجْلاَلَ، ولاَ غِنَى للمَرْءِ أَبَدًا مِنَ التَّحَلِّي بِهِ فِي مَعَامَلَةِ أَهْلِهِ وَجِيرَانِهِ وَأَصْحَابِهِ وَإِخْوَانِهِ المُسْلِمِينَ؛ وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهُ  قَالَ: ((إِذَا أَرَادَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْرًا أَدْخَلَ عَلَيْهِمُ الرِّفْقَ)) رواه أحمدُ.

وإِنَّ العُنْفَ وَالفَظَاظَةَ مَا فَشَتَا فِي مُجْتَمَعٍ مِنَ المُجْتَمَعَاتِ أَوْ أُسْرَةٍ مِنَ الأُسَرِ إلاَّ تقطَّعتْ بَيْنَهُمْ حبالُ الصِّلَةِ، وفسدتْ علائقُ المحبَّةِ والأُخوَّةِ، وَسَادَتِ البَغْضَاءُ وَالوَحْشَةُ؛

فَلنجعل من الرفق شعارنا في بيوتنا وفي شوارعنا وفي نوادينا، وفي إداراتنا، فعَلَى مَنْ وَلِيَ شَيْـئًا مِنَ الْوَظَائِفِ أَنْ يَتَرَفَّقَ بِمن يألجأون إليه ويطلبون حاجتهم عنده وَيُيَسِّرَ أُمُورَهُمْ وَيُسَهِّـلَ مُعَامَلاتِهِمْ، وَيَنْبَغِي على من يتجه للإدارات لقضاء مآربه أن يتعامل برفق وحسن مع من يقابله، ولا يتفوه بكلام عنيف أو ساقط في حق من يقابله ويقضي مآربه، وَعَلَى الْمُعَلِّمِينَ أَنْ يَتَرَفَّقُوا بِمَنْ يَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمْ، وَعَلَى الطَّبِيبِ أَنْ يَتَرَفَّقَ بِالْمَرِيضِ الَّذِي يُعَالِجُهُ، وَعَلَى الْقَاضِي أَنْ يَتَرَفَّقَ بِالمُتَخَاصِمَيْنِ حَتَّى يَقْضِيَ بِالْحَقِّ بَيْنَهُمَا، وَيُوصِلَ الْحُقُوقَ إِلَى أَصْحَابِهَا، وعلى رب العمل أن يرفق بالعامل وعلى العامل أن يتلطف مع من يشغله، فَإِنَّ مَنْ شَقَّ عَلَى النَّاسِ فِي تَعَامُلاتِهِمْ شَقَّ اللهُ عَلَيْهِ، وَمَنْ رَفَقَ بِهِمْ رَفَقَ اللهُ بِهِ.